فصل: إلبيرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 الاقليم الخامس

أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وسدس خمس قدم وآخره حيث يكون الظل نصف النهار شرقاً أو غرباً ستة أقدام ونصف عشر وسد عشر قدم‏.‏

ويبتديء من أرض الترك المشرقين ويمر على أجناس الترك المعروفين إلى كاشغر وفرغانة وسمرقند وخوارزم وبحر الخزر إلى باب الأبواب وبرذعة وإلى ميافارقين وارمينية وبلاد الروم‏.‏

وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة ونصف وربع وفي أوسطه خمس عشرة ساعة وفي آخره خمس عشرة ساعة وربع‏.‏

وطول وسطه من المشرق إلى المغرب سبعة آلاف ميل وستمائة وسبعون ميلاً وبضع عشرة دقيقة وعرضه مائتان وأربعة وخمسون ميلاً وثلاثون دقيقة ومساحتها مكسر ألف ألف وثمانية وأربعون ألفاً وخمسمائة وأربعة وثمانون ميلاً واثنتا عشرة دقيقة ولنذكر أحوال بعض المدن الواقعة فيه مرتبة على حروف المعجم‏:‏ آمد مدينة حصينة مبنية بالحجارة من بلاد الجزيرة على نشز من الأرض ودجلة محيطة بها من جوانبها إلا من جهة واحدة على شكل الهلال‏.‏

وفي وسطها عيون وآبار عمقها ذراعان‏.‏

وإنها كثيرة الأشجار والبساتين والثمار والزروع‏.‏

من عجائبها ما ذكره ابن الفقيه أن بأرض آمد جبلاً من بعض شعابه صدع فيه سيف من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم ذلك السيف اضطرب السيف في يده وارتعد هو وان كان من أشد الناس‏.‏

وذكر أن هذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المغناطيس فإذا حك به سيف أو سكين جذبه وحجارة ذلك الصدع ما يجذب هذا ما ذكره ابن الفقيه ولست أعرف انه باق إلى الآن أم لا‏.‏

ومن العجب أن في سنة سبع وعشرين وستمائة انهزم جلال الدين خوارزمشاه عن التتر فانتهى إلى آمد فجاءه من أخبره بأن التتر خلفك قريب منك‏.‏

فقال‏:‏ إن هذا المخبر من عند صاحب آمد يريد إبعادنا من أرضه‏.‏

فما أصبح إلا والتتر محيط بهم فانصبوا إلى آمد هاربين من التتر فقتلهم أهل آمد من السور وفي تلك الواقعة قتل جلال الدين خوارزمشاه‏.‏

فلما رجع التتر جاء الملك الكامل بعساكره وحاصرها وأخذها من صاحبها وزال ملك صاحبها بشؤم ما عمل بالهاربين من التتر اللائذين به‏.‏موضع ببلاد الروم يزار من الآفاق قال الهروي‏:‏ بلغني أمره فقصدته فوجدته في لحف جبل يدخل إليه من باب ويمشي الداخل تحت الأرض إلى أن ينتهي إلى موضع مكشوف واسع تبين فيه السماء من فوقه وفي وسطه بحيرة حولها بيوت الفلاحين ومزروعهم خارج الموضع‏.‏

وهناك مسجد وبيعة فإن جاءهم مسلم يمشي إلى المسجد وإن جاءهم نصراني يمشي إلى البيعة‏.‏

والزوار يأتون إلى هذا الموضع كثيراً ويدخلون إلى بهو فيه جماعة مقتولون فيهم آثار طعن الأسنة وضرب السيوف ومنهم من فقدت بعض أعضائه وعليهم ثياب من القطن لم تتغير‏!‏ وهناك أيضاً امرأة على صدرها طفل حلمة ثديها في فيه وخمسة أنفس قيام ظهورهم على حائط الموضع وهناك أيضاً موضع عال عليه سرير وعلى السرير اثنا عشر رجلاً فيهم صبي مخضوب اليدين والرجلين بالحناء فالروم يزعمون أنهم منهم والمسلمون يقولون انهم من الغزاة استشهدوا في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

 أران

ناحية بين آذربيجان وأرمينية وبلاد ابخاز‏.‏

بها مدن كثيرة وقرى‏.‏

قصبتها جنزة وشروان وبيلقان‏.‏

بها نهر الكر وهو نهر بين أرمينية وأران يبدأ من بلاد خزران ثم يمر ببلاد الأبخاز من ناحية اللان فيمر بمدينة تفليس يشقها ثم بجنزة وشمكور ويجري على باب برذعة ثم يختلط بالرس والرس أصغر منه وينصب في بحر الخزر على ثلاثة فراسخ من برذعة موضع الشورماهيج الذي يحمل إلى الآفاق مملحاً‏.‏

وهو نوع من السمك طيب مختص بذلك الموضع‏.‏

وزعموا أن الكر نهر سليم أكثر ما يقع فيه من الحيوان يسلم‏.‏

ومن ذلك ما حكى بعض فقهاء نقجوان قال‏:‏ وجدنا غريقاً من الكر يجري به الماء فبادر القوم إلى إمساكه فأدركوه وقد بقي فيه رمق فحملوه إلى اليبس فاستقر نفسه وسكن جاشه‏.‏

قال لنا‏:‏ أي موضع هذا قالوا‏:‏ نقجوان‏.‏

قال‏:‏ إني وقعت في الماء في موضع كذا وكان بينه وبين نقجوان مسيرة خمسة أيام أو ستة وطلب طعاماً فذهبوا لإحضار الطعام فانقض عليه الجدار الذي كان قاعداً تحته فتعجب القوم من مسامحة النهر وتعدي الجدار‏!‏ أرزنجان بلدة من بلاد أرمينية آهلة طيبة كثيرة الخيرات أهلها مسلمون ونصارى‏.‏

وبها جبل فيه غار ينزل الماء من سقفه ويصير ذلك الماء حجراً صلداً‏.‏

 أرزن الروم

مدينة مشهورة من مدن ارمينية بقرب خلاط قديمة البناء‏.‏

بينها وبين خلاط موضع يسمى ياسي جمن به عين يفور الماء منها فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد فإذا دنا الحيوان منها يموت في الحال‏.‏

وحولها من الحيوانات الموتى ما شاء الله وقد وكلوا بها من يمنع الغريب من الدنو منها‏.‏

بها عين الفرات وهي عين مباركة مشهورة‏.‏

زعموا أن من اغتسل بمائها في الربيع يأمن من أمراض تلك السنة‏.‏

ارطانة من قرى بلنسية‏.‏

بها عين ارطانة وهي عين ينبع ماؤها من غار على فمه حوض يظهر في ذلك الحوض أنه يكثر تارة ويقل أخرى كالمد والجزر وذلك يرى في كل يوم مراراً‏.‏

أرمية بلدة كبيرة من بلاد آذربيجان كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏

بقربها بحيرة تعرف ببحيرة أرمية وإنها كريهة الرائحة لا نبات عليها ولا سمك فيها‏.‏

استدارتها خمسون فرسخاً مادتها من أودية من جبال تلك البلاد وفي وسط البحيرة جزيرة وعلى تلك الجزيرة قلعة حصينة وحواليها قرى ورساتيق ومزارع‏.‏

وفي أكثر الأوقات كان صاحب تلك القلعة عاصياً على ولاة آذربيجان إذ لا سبيل إليها قهراً‏.‏

ويخرج من هذه البحيرة ملح بحلو شبه التوتيا وعلى ساحلها مما يلي الشرق عيون ينبع ماؤها ويستحجر إذا أصابها الهواء وفيها حيوان يقال له كلب الماء‏.‏

وينسب إليها الشيخ أبو أحمد الملقب بتاج الدين الأرموي كان عديم المثل في زمانه بالأصول والفقه والحكمة والأدب ذا عبارة فصيحة وتقرير حسن وطبع لطيف وكلام ظريف كان الاجتماع به سبباً للذات النفس من كثرة حكاياته الطيبة والأمثال اللطيفة والتشبيهات الغريبة والمبالغات العجيبة وكثيراً ما كان يقول‏:‏ ان دفع التتر عن هذه البلاد لكثرة صدقات الخليفة المستنصر بالله فإن الصدقة تدفع البلاء ولولا ذلك لكان من دفع العساكر الخوارزمشاهية كيف يقف له عسكر العراق وكان الأمر كما قال‏.‏

فلما مضى المستنصر وقلت الصدقة جاؤوا وظفروا‏.‏

وحكي أن الشيخ دخل يوماً على ابن الوزير القمي وكان ابن الوزير دقيق النظر كثير المآخذ قال للشيخ‏:‏ أراك تقتني المماليك المرد وليس هذا طريقة المشايخ‏!‏ قال الشيخ‏:‏ لا‏.‏

قعودي بين يديك من طريقة المشايخ وإنما هذا لذلك لولا ميلي إلى شيء من زينة الدنيا ما قعدت بين يديك‏.‏ناحية بين آذربيجان والروم ذات مدن وقلاع وقرى كثيرة‏.‏

أكثر أهلها نصارى‏.‏

بها عجائب كثيرة ذكر أكثرها عند مدنها وقراها‏.‏

والذي نزيده ههنا‏:‏ بها جبل الحارث والحويرث لا يقدر أحد على ارتقائهما قالوا‏:‏ إنهما مقبرة ملوك أرمينية ومعهم أموالهم وذخائرهم‏.‏

بليناس الحكيم طلسمها لئلا يظفر بها أحد‏.‏

وحكى ابن الفقيه انه كان على نهر الرس بأرمينية ألف مدينة فعث الله تعالى إليهم نبياً اسمه موسى وليس بموسى بن عمران فدعاهم إلى الله تعالى فكذبوه وعصوا أمره فدعا عليهم فحول الله تعالى الحارث والحويرث من الطائف وأرسلهما عليهم فيقال إن أهل الرس تحت هذين الجبلين‏.‏

وبها البحيرة قال مسعر بن مهلهل‏:‏ هذه البحيرة منتنة قليلة المنافع عليها قلاع حصينة وجانب من هذه البحيرة يأخذ إلى موضع يقال له وادي الكرد‏.‏

فيه طرائف من الأحجار وعليه مما يلي سيماس جمة يقال لها عين زراوند وهي جمة شريفة جليلة القدر كثيرة المنفعة وذلك لأن الإنسان أو الدابة إذا ألقي فيها وبه كلوم وقروح يندمل ويلتحم وإن كان فيها عظام موهنة مرضضة كامنة وشظايا غامضة تتفجر أفواهها وينقيها عن كل وسخ ويلحمها‏.‏

قال مسعر ابن مهلهل‏:‏ عهدي بمن توليت حمله إليها وبه علل من جرب وسلع وقولنج وحزاز وضربان في الساقين واسترخاء في العصب وفيه سهم قد نبت اللحم على نصله كنا نتوقع موته ساعة فساعة فأقام بها ثلاثاً فخرج النصل من خاصرته وعوفي من بقية العلل‏.‏

قال‏:‏ ومن شرف هذه الجمة أن الإنسان إذا شرب منها أمن الخوانيق وأسهل السوداء من غير مشقة‏.‏

وحكى صاحب تحفة الغرائب أن بأرض أرمينية بيت نار له سطح من الصاروج وميزاب من النحاس وتحت الميزاب حوض كبير من الرخام وفي البيت مجاورون كلما قل المطر بتلك الناحية أوقدوا نارهم وغسلوا سطح البيت بماء نجس حتى ينصب من الميزاب إلى الحوض ثم يرشون البيت بذلك الماء النجس فعند ذلك تستر السماء بالغمام وتمطر حتى يغسل السطح والميزاب والحوض ويمتليء من الماء الطاهر‏.‏

 الأشبونة

مدينة بالأندلس بقرب باجة طيبة‏.‏

بها أنواع الثمرات وضروب صيد البر والبحر‏.‏

وهي على ضفة البحر تضرب أمواج البحر حائط سورها قال أحمد ابن عمر العذري وهو صاحب الممالك والمسالك الأندلسية‏:‏ على أحد أبواب الأشبونة المعروف بباب الجمة جمة قريبة من البحر يجري بماء حار وماء بارد فإذا فار البحر واراها‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ بقرب الأشبونة غار عظيم تدخل أمواج البحر فيه وعلى فم الغار جبل عال فإذا ترادفت أمواج البحر في الغار ترى الجبل يتحرك بتحرك الموج فمن نظر إليه رآه مرة يرتفع ومرة ينخفض‏.‏

وبقربها جبل يوجد فيه حجر البرادي وهو حجر يضيء بالليل كالمصباح‏.‏

قال‏:‏ أخبر من صعد هذا الجبل ليلاً قال كان هذا الحجر فيه يضيء كالمصباح‏.‏

قال‏:‏ وهذا الجبل معدن الجزع‏.‏

 اشبيلية

مدينة بالأندلس بقرب لبة كبيرة‏.‏

تباينت بلاد الأندلس بكل فضيلة وامتازت عنها بكل مزية من طيب الهواء وعذوبة الماء وصحة التربة والزرع والضرع وكثرة الثمرات من كل نوع وصيد البر والبحر بها زيتون أخضر يبقى مدة لا يتغير به حال ولا يعروه اختلال وقد أخذ في الأرض طولاً وعرضاً فراسخ في فراسخ ويبقى زيته بعذوبته أعواماً‏.‏

وكذلك بها عسل كثير جداً وتين يابس‏.‏

ينسب إليها الشيخ الفاضل محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين‏.‏

رأيته بدمشق سنة ثلاثين وستمائة‏.‏

وكان شيخاً فاضلاً أديباً حكيماً شاعراً عارفاً زاهداً‏.‏

سمعت أنه يكتب كراريس فيها أشياء عجيبة‏.‏

سمعت أنه كتب كتاباً في خواص قوارع القرآن‏.‏ومن حكاياته العجيبة ما حكى انه كان بمدينة اشبيلية نخلة في بعض طرقاتها فمالت إلى نحو الطريق حتى سدت الطريق على المارين فتحدث الناس في قطعها حتى عزموا أن يقطعوها من الغد قال‏:‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في نومي عند النخلة وهي تشكو إليه وتقول‏:‏ يا رسول الله ان القوم يريدون قطعي لأني منعتهم المرور‏!‏ فمسح رسول الله عليه السلام بيده المباركة النخلة فاستقامت فلما أصبحت ذهبت إلى النخلة فوجدتها مستقيمة فذكرت أمرها للناس فتعجبوا منها واتخذوها مزاراً متبركاً به‏!‏ أفرنجة بلدة عظيمة ومملكة عريضة في بلاد النصارى بردها شديد جداً وهواؤها غليظ لفرط البرد‏.‏

وإنها كثيرة الخيرات والفواكه والغلات غزيرة الأنهار كثيرة الثمار ذات زرع وضرع وشجر وعسل صيودها كثيرة الانواع‏.‏

بها معادن الفضة وتضرب بها سيوف قطاعة جداً وسيوف افرنجة أمضى من سيوف الهند‏.‏

وأهلها نصارى‏.‏

ولهم ملك ذو بأس وعدد كثير وقوة ملك له مدينتان أو ثلاث على ساحل البحر من هذا الجانب في وسط بلاد الإسلام وهو يحميها من ذلك الجانب كلما بعث المسلمون إليها من يفتحها يبعث هو من ذلك الجانب من يحميها‏.‏

وعساكره ذوو بأس شديد لا يرون الفرار أصلاً عند اللقاء ويرون الموت دون ذلك‏.‏

لا ترى أقذر منهم وهم أهل غدر ودناءة أخلاق لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد ولا يغسلون ثيابهم منذ لبسوها إلى أن تتقطع‏.‏

ويحلقون لحاهم وإنما تنبت بعد الحلق خشنة مستكرهة‏.‏

سئل واحد عن حلق اللحى فقال‏:‏ الشعر فضلة أنتم تزيلونها عن سوءاتكم فكيف نتركها نحن على وجوهنا أفسوس مدينة مشهورة بأرض الروم وهي مدينة دقيانوس الجبار الذي هرب منه أصحاب الكهف وبين الكهف والمدينة مقدار فرسخين والكهف مستقبل بنات نعش لا تدخله الشمس فيه رجال موتى لم يتغيروا وعددهم سبعة‏:‏ ستة منهم نيام على ظهورهم وواحد منهم في آخر الكهف مضطجع على يمينه وظهره إلى جدار الكهف وعند أرجلهم كلب ميت لم يسقط من أعضائه شيء وهو باسط ذراعيه بالوصيد كافتراش السباع وعلى الكهف مسجد يستجاب فيه الدعاء يقصده الناس وأهل المدينة يرون بالليل على الكهف نوراً عظيماً ويعرفون أن ذلك وكان من بداية أمرهم ما حكى وهب بن منبه أن سليمان بن داود عليه السلام لما قبض ارتد ملك الروم إلى عبادة الأصنام ودقيانوس أحد قواده رجع أيضاً معه ومن خالفه عذبه بالقتل والحرق والصلب‏.‏

فاتفق أن بعض الفتيان من أولاد البطارقة خرجوا ذات يوم لينظروا إلى المعذبين من الموحدين فقدر الله هدايتهم وفتح أبصارهم فكانوا يرون الرجل الموحد إذا قتل هبطت إليه الملائكة من السماء وعرجوا بروحه فآمنوا ومكثوا على ذلك حتى ظهر أمر إسلامهم‏.‏

فأرسل الملك إلى آبائهم وعتب عليهم بسبب إسلام أولادهم فقالوا‏:‏ أيها الملك نحن تبرأنا منهم شأنك وشأنهم‏!‏ فأحضرهم الملك وقال لهم‏:‏ لكم المهل ثلاثة أيام وإني شاخص في هذه الأيام من البلد فإن وجدتكم في اليوم الرابع عند رجوعي مخالفين لطاعتي عذبتكم عذاب من خالفني فلما كان اليوم الثالث اجتمع الفتية وقالوا‏:‏ إنما يومنا هذا هو وليلته وعزموا على الهرب في تلك الليلة فلما جنهم الليل حمل كل واحد شيئاً من مال أبيه وخرجوا من المدينة يمشون فمروا براعي غنم لبعض آبائهم فعرفهم فقال‏:‏ ما شأنكم يا سادتي فأظهروا أمرهم للراعي ودعوه إلى التوحيد فأجابهم فأخذوه معهم‏.‏

وتبع الراعي كلبه فساروا ليلتهم وأصبحوا على باب كهف دخلوا فيه وقالوا للراعي‏:‏ خذ شيئاً من الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاماً فإن القوم لا علم لهم بخروجك معنا‏.‏

فأخذ الدراهم ومضى نحو المدينة وتبعه كلبه وكان على باب المدينة صنم لا يدخل أحد المدينة إلا بدأ بالسجود لذلك الصنم قبل دخوله فبقي الراعي متفكراً في السجود للصنم فألهم الله الكلب ان عدا بين يديه حتى دخل المدينة وجعل الراعي يعدو خلفه ويقول‏:‏ خذوه خذوه‏!‏ حتى جاوز الصنم ولم يسجد‏.‏

فلما انتهى إلى السوق واشترى بعض حوائجه سمع قائلاً يقول‏:‏ ان راعي فلان أيضاً تبعهم‏.‏

فلما سمع ذلك فزع وترك استتمام ما أراد شراءه وخرج من المدينة مبادراً حتى وافى أصحابه فأخبرهم بما كان من أمره‏.‏

فأكلوا طعامهم وأخذوا مضاجعهم فضرب الله على آذانهم‏.‏

فلما رجع الملك أخبروه بهربهم فخرج يقفو آثارهم حتى انتهى إلى باب الكهف ووقف على أمرهم فقال‏:‏ يكفيهم من العذاب أن ماتوا جوعاً‏!‏ فأهلك الله دقيانوس وأنزل على باب الكهف صخرة وبعث إلى أهل ذلك العصر ثلاثة عشر نبياً فدعوا الناس إلى التوحيد فأجابهم إلى ذلك خلق كثير وكان الملك الذي أحيا الله الفتية في أيامه موحداً‏.‏

فلما كانت السنة التي أراد الله فيها احياء الفتية انطلق رجل من أهل المدينة وأقام بذلك المكان يرعى غنمه فأراد أن يتخذ لغنمه حظيرة فأمر أعوانه بتنحية الصخرة التي كانت على باب الكهف فعند ذلك قام الفتية كمن يبيت ليلة صافية الألوان نقية الثياب ورأوا كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد وكان ذلك بعد ثلاثمائة سنة بحساب الروم وزيادة تسع بحساب العرب لأن حساب الروم شمسية وحساب العرب قمرية يتفاوت في كل مائة سنة ثلاث سنين‏.‏

وكان انتباههم آخر النهار ودخولهم أول النهار فقال بعضهم لبعض‏:‏ كم لبثتم قالوا‏:‏ لبثنا يوماً أو بعض يوم‏!‏ لأنهم رأوا الشمس غير غاربة فقالوا بعض يوم فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظافيرهم قالوا‏:‏ ربكم اعلم بما لبثتم‏.‏

فقالوا للراعي‏:‏ إنك أتيت البارحة بطعام قليل لم يكفنا فخذ شيئاً من هذا الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاماً‏!‏ فانطلق خائفاً حتى أتى باب المدينة وقد أزيل عنه الصنم ثم دخل المدينة وجعل يتصفح وجوه الناس فما كان يعرف أحداً‏.‏

فانتهى إلى سوق الطعام ودفع إليه الورق فرده عليه وقال‏:‏ هذا عتيق لا يروح اليوم‏!‏ فناوله ما كان معه وقال‏:‏ خذ حاجتك منها‏.‏

فلما رأى صاحب الطعام ذلك همس إلى جاره وقال‏:‏ احسب ان هذا قد وجد كنزاً‏!‏ فلما رآهما يتهامسان ظن أنهما عرفاه فترك الدراهم وولى هارباً فصاح به الناس أن خذوه فإنه وجد كنزاً فأخذوه وانطلقوا به إلى الملك فأخبروا الملك بأمره والدراهم فتركه الملك حتى سكنت روعته ثم قال‏:‏ ما شأنك يا فتى أخبرني بأمرك ولا بأس عليك‏!‏ فقال الفتى‏:‏ ما اسم هذه المدينة قالوا‏:‏ افسوس‏.‏

قال‏:‏ وما فعل دقيانوس قالوا‏:‏ أهلكه الله منذ ثلاثمائة سنة‏!‏ فأخبرهم بقصته وقصة أصحابه‏.‏

فقال الملك‏:‏ أرى في عقل هذا الرجل نقصاناً قال الراعي‏:‏ إن أردت تحقيق ما أقول انطلق معي إلى أصحابي لتراهم في الكهف‏!‏ فركب الملك وعامة أهل المدينة فقال الراعي‏:‏ إن أصحابي إذا سمعوا جلبة الناس خافوا فأذن لي أيها الملك حتى أتقدم وأبشرهم‏.‏

فأذن له فتقدم حتى انتهى إلى باب الكهف فدخل عليهم وأخبرهم بهلاك دقيانوس وظهور الإسلام وأن القوم في ولاية ملك صالح وها هو قد أقبل إليكم ومعه عامة أهل المدينة‏.‏

فلما سمعوا ذلك كبروا وحمدوا الله ووافاهم الملك وأهل المدينة‏.‏

والملك سلم عليهم وسألهم عن حالهم وعانقهم‏.‏

وعامة الناس سلموا عليهم فبادروا بذكر قصتهم حتى إذا فرغوا من ذلك خروا موتى‏.‏

فبنوا على الكهف مسجداً واتخذوا ذلك اليوم عيداً وانهم على حالهم إلى زماننا هذا‏.‏

أفلوغونيا مدينة كبيرة من نواحي أرمينية أهلها نصارى‏.‏

من خواصها إسراع الجذام إلى أهلها لأن أكثر أكلهم الكرنب والغدد فيهم طبع وفيهم خدمة للضيف وقرى وحسن الطاعة لرهبانهم والرهابين يلعبون بعقولهم حكي انه إذا مرض أحدهم أحضر الراهب ودفع مالاً إليه ليستغفر له ويحضر القس وانه يبسط كساء ويعترف المريض بذنب ذنب مما عمله والقس قاعد يضم كفيه كلما فرغ المذنب ينفض كفيه في الكساء إلى أن فرغ من تمام ذنوبه‏.‏

وبعد فراغه يضم القس أطراف الكساء ويخرج بها وينفض في الصحراء فيظنون أن الذنوب قد انمحت بالصدقة ودعاء القس‏.‏

وحكي أن فيهم من إذا تزوج ببكر يريد أن يفترعها الراهب لتكون مباركة على زوجها ببركة الراهب‏.‏

 إلبيرة

مدينة بالأندلس بقرب قرطبة من أكرم المدن وأطيبها شديدة الشبه بغوطة دمشق في غزارة الأنهار والتفاف الأشجار وكثرة الثمار‏.‏

في ساحلها شجر الموز ويحسن بها نبت قصب السكر وبها معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والصفر ومعدن التوتيا ومقطع الرخام وتحمل هذه الأشياء منها إلى سائر بلاد الأندلس‏.‏

وحكى أحمد بن عمر العذري‏:‏ من أعمال البيرة موضع يسمى لوشة فيه غار يصعد إليه أربعة أذرع ثم ينزل في غار نحو قامتين يرى أربعة رجال موتى لا يعرف الناس حالهم ألفوهم كذلك قديماً والملوك يتبركون بهم ويبعثون إليهم الأكفان ولا ريب أنهم من الصلحاء لأن بقاءهم على حالهم مدة طويلة بخلاف سائر الموتى لا يكون إلا لأمر قال العذري‏:‏ حدثني من دخل عليهم وكشف عن وجه أحدهم فرأى دراعة على وجهه وقال‏:‏ نقرت بإصبعي على بطنه فصوت كالجلد اليابس‏.‏

 ألش

مدينة بالأندلس بقرب تدمير من خواصها أن النخل لا ينجح بجميع بلاد الأندلس إلا بها‏.‏

ويوجد بها زبيب ليس في جميع البلاد مثله يحمل منها إلى سائر بلاد الأندلس‏.‏

وبها صناع البسط الفاخرة وليس مثلهم في شيء من بلاد الأندلس‏.‏

الأندلس جزيرة كبيرة بالمغرب فيها عامر وغامر‏.‏

طولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة ودورها أكثر من ثلاثة أشهر‏.‏

ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مسيرة يومين والحاجز بين بلاد الأندلس وافرنجة جبل‏.‏قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية‏:‏ إن الأندلس وقعت متوسطة بين الأرض كما هي متوسطة بين الأقاليم فبعضها في الإقليم الرابع وبعضها في الإقليم الخامس‏.‏

وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار وبها الرخص والسعة‏.‏

وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية ومعدن الزئبق والكبريت الأحمر والأصفر والزنجفر الجيد والتوتيا والشبوب على أجناسها والكحل المشبه بالأصفهاني‏.‏

وبها من الأحجار الياقوت والبلور والجزع واللازورد والمغناطيس والشادنج والحجر الذي يقطع الدم والحجر اليهودي والمرقشيثا وحجر الطلق‏.‏

وبها أصناف الرياحين حتى سنبل الطيب والقسط والاشقاقل وبها الانبرباريس والعود‏.‏

حكى العذري أن بعض الولاة ولى ناحية بشرة فشم رائحة العود فوجدوا من دار رجل ضعيف ووجدوا عنده عوداً كثيراً يتقد به فرأوه فإذا هو ذكي من عود الهند فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلى جبل من جبال وفر فحفروا وأخرجوا بقيته واشتهر بين الناس‏.‏

وأهل الأندلس زهاد وعباد والغالب عليهم علم الحديث ويقع في بلاد الأندلس من الخدم والجواري المثمنات على غير صناعة بل على حسنهم بألف دينار‏.‏

ولأهلها إتقان في جميع ما يصنعونه إلا أن الغالب عليهم سوء الخلق‏.‏ومن عجائب الدنيا أمران‏:‏ أحدهما المملكة الإسلامية بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من المسلمين والآخر المملكة النصرانية بساحل الشام مع إحاطة المسلمين من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من الإفرنج‏.‏

قال العذري في وصف الأندلس‏:‏ إنها شامية في طيبها وهوائها يمانية في اعتدالها واستوائها هندية في أفاويهها وذكائها اهوازية في عظم اجتنائها صنفية في جواهرها عدنية في سواحلها‏.‏

بها آثار عجيبة وخواص غريبة تذكر في مواضعها‏.‏

وبها البحر الأسود الذي يقال له بحر الظلمات محيط بغربي الأندلس وشماليه وفي آخر الأندلس مجمع البحرين الذي ذكره الله في القرآن‏.‏

وعرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخاً وفيه يظهر المد والجزر في كل يوم وليلة مدان وجزران وذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس يعلو ويفيض في مجمع البحرين ويدخل في بحر الروم وهو قبلى الأندلس وشرقيها ولونها أخضر ولون البحر أسود كالحبر‏.‏

وإذا أخذته في الإناء لا ترى فيه السواد فلا يزال البحر الأسود يصب في البحر الأخضر إلى الزوال فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوساً فيصب البحر الأخضر في البحر الأسود إلى مغيب الشمس ثم يعلو البحر الأسود ويفيض في البحر الأخضر إلى نصف الليل ثم ينعكس الأمر فيعلو البحر الأخضر ويصب في البحر الأسود إلى طلوع الشمس وهكذا على التواتر ذلك تقدير العزيز العليم وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ ملك على قاموس البحر إذا وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض‏.‏

وبها جبل فيه غار لا يرى أحد فيه النار وإذا أخذت فتيلة مدهونة وشدت على رأس خشبة طويلة وأدخلت الغار اشتعلت الفتيلة وتخرج مشتعلة‏.‏

وبها جبل بقرب الجبل الذي سبق ذكره ترى على قلته النار مشتعلة بالليل وبالنهار يصعد منه دخان عظيم‏.‏

وبها جبل عليه عينان بينهما مقدار شبرين ينبع من إحداهما ماء حار ومن الأخرى ماء بارد‏.‏

ذكرهما صاحب تحفة الغرائب وقال‏:‏ أما الحارث فلو رميت فيه اللحم ينطبخ وأما البارد فيصعب شربه لغاية برودته‏.‏

وبها جبل شلير لا يفارقه الثلج صيفاً ولا شتاء وهو يرى من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه وشموخه وفيه أصناف الفواكه من التفاح والعنب والتوت والجوز والبندق وغير ذلك والبرد به شديد جداً قال بعض المغاربة وقد اجتاز بشلير فوجد ألم البرد‏:‏ يحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكم وشرب الحميّا وهي شيءٌ محرّم إذا هبّت الرّيح الشّمال بأرضكم فطوبى لعبدٍ في اللّظى يتنعّم أقول ولا ألحى على ما أقوله كما قال قبلي شاعرٌ متقدّم‏:‏ فإن كنت يوماً في جهنّم مدخلي ففي مثل ذاك اليوم طاب جهنّم‏!‏ وبها جبل الكحل‏.‏

إنه بقرب مدينة بسطة قالوا‏:‏ إذا كان أول الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل وهو كحل أسود لا يزال كذلك إلى نصف الشهر فإذا زاد على النصف نقص الكحل ولا يزال الذي خرج يرجع إلى تمام الشهر‏.‏

وبها نهر ابره قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية‏:‏ مخرج هذا النهر من عين يقال لها فونت ايبرهي ومصبه في البحر الشامي بناحية طرطوشة وامتداده مائتا ميل وعشرة أميال يوجد فيه صنف من السمك عجيب يقال له الترحته لا يوجد في غيره البنة وهو سمك أبيض ليس له إلا شوكة واحدة كل ذلك عن العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية‏.‏

وبها نهر أنه‏.‏

مخرجه من موضع يعرف بفج العروس ثم يغيض بحيث لا يبقى له أثر على وجه الأرض ويحرج بقرية من قرى قلعة رباح يقال لها أنه ثم يغيض ويجري تحت الأرض ثم يبدو هكذا مراراً في مواضع شتى إلى أن يغيض بين ماردة وبطليوس ثم يبدو وينصب في البحر أنقرة مدينة مشهورة بأرض الروم تقول العجم انكورية غزاها الرشيد وفتحها قال بسيل الترجمان‏:‏ كنت مع الرشيد لما فتحها‏.‏

رأيت على باب الحصن كتابة باليونانية فجعلت أنقلها والرشيد ينظر إلي فإذا هي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين‏.‏

يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها وكل الأمور إلى واليها ولا يحملنك إفراط السرور على ما تم ولا تحملن على نفسك هم يوم لم يأتك فإنه إن لم يأت من أجلك يأت الله برزقك فيه ولا تكن أسوة للمغرورين في جمع المال فكم قد رأينا من جمع لبعل حليلته على أن يعتبر المرء على نفسه توفير الخوان غيرة‏.‏

وحكي أن في زمن المعتصم تعدوا على رجل من أهل العراق بأرض أنقرة ينادي يا معتصماه‏!‏ فقالوا‏:‏ اصبر حتى يأتي المعتصم على الابلق ينصرك‏!‏ فوصل هذا القول إلى المعتصم فأمر بشري كل فرس أبلق في مملكته وذهب إلى الروم ونهب أنقرة وكان على باب مدينتها مصراعان من الحديد مفرطا الطول والعرض حملهما إلى بغداد وهما الآن على باب العامة باب من أبواب حرم الخلافة‏.‏مدينة عجيبة على ضفة بحر الخزر مبنية بالصخور وهي مستطيلة يصيب ماء البحر حائطها‏.‏

طولها مقدار ثلثي فرسخ وعرضها غلوة سهم عليها أبواب من الحديد ولها أبراج كثيرة على كل برج مسجد للمجاورين والمشتغلين بالعلوم الدينية وعلى السور حراس تحرس من العدو‏.‏

بناها أنوشروان كسرى الخير وهي أحد الثغور العظيمة لأنها كثيرة الأعداء من الذين حفوا بها من أمم شتى وإلى جانب المدينة جبل أرعن يعرف بالذنب يجمع على قلته كل سنة حطب كثيرة ليشعلوا فيه النار إذا احتاجوا إلى إنذار أهل اران وآذربيجان وأرمينية بمجيء العدو‏.‏

وكانت الأكاسرة شديدة الاهتمام بهذا المكان لعظم خطره وشدة خوفه‏.‏

وحكى أبو العباس الطوسي أن الخزر كانت تعبر على ملك فارس حتى وصلوا إلى همذان والموصل‏.‏

فلما ملك أنوشروان بعث إلى ملك الخزر وخطب إليه ابنته على أني زوجه ابنته ويتفرغا لأعدائهما‏.‏

فأجابه إلى ذلك فعمد أنوشروان إلى جارية من جواريه نفيسة فوجه بها إلى ملك الخزر على أنها ابنته وحمل معها ما يحمل مع بنات الملوك‏.‏

وأهدى خاقان ملك الخزر إلى أنوشروان ابنته فلما وصلت إليه كتب إلى خاقان‏:‏ لو التقينا أوجبنا المودة بيننا‏!‏ فأجابه إلى ذلك فالتقيا وأقاما أياماً‏.‏

وأنوشروان أمر قائداً من قواده يختار ثلاثمائة رجل من أشداء فلما أصبح بعث خاقان إلى أنوشروان أن أتيت عسكري البارحة‏.‏

فبعث إليه أنوشروان انه لم يأت من قبلنا فابحث وانظر‏.‏

ففعل ولم يقف على شيء ثم أمهله أياماً وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات وفي كلها يعتذر فدعا خاقان قائداً من قواده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان‏.‏

فلما فعل أرسل أنوشروان‏:‏ ما هذا استبيح عسكري الليلة‏!‏ فأرسل إليه خاقان يقول‏:‏ ما أسرع ما ضجرت‏!‏ فقد عمل مثل هذا بعسكري ثلاث مرات وإنما فعل بك مرة واحدة‏.‏

فبعث إليه أنوشروان يقول‏:‏ إن هذا عمل قوم يريدون إفساد ما بيننا‏!‏ وعندي رأي ان قبلته وهو أن تدعني أبني بيني وبينك حائطاً وأجعل عليه أبواباً فلا يدخل بلادك إلا من تريد ولا يدخل بلادي إلا من أريد‏.‏

فأجابه إلى ذلك وانصرف خاقان إلى مملكته‏.‏

وأقام أنوشروان وشرع في بناء حائط من الصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وعلاه حتى ألحقه برؤوس الجبال ثم قاده في البحر‏.‏

فيقال‏:‏ انه نفخ في الزقاق وبنى عليها حتى استقرت على الأرض ثم رفع البناء حتى استوى مع الذي على الأرض في عرضه وارتفاعه فجعل أحد طرفيه في البحر وأحكمه وقد مده سبعة فراسخ إلى موضع أشب وهو جبل وعر لا يتهيأ سلوكه وبنى بالحجارة المهندمة نقل أصغرها خمسون رجلاً وأحكمها بالرصاص والمسامير وجعل في هذه السبعة فراسخ سبعة مسالك على كل مسلك مدينة ورتب فيها قوماً من مقاتلة الفرس على كل مدينة مائة رجل يحرسونها بعد أن كان محتاجاً إلى مائة ألف رجل‏.‏

ثم نصب سريره على القيد الذي صنعه على البحر وسجد شكراً لله على ما تم على يده وكفاه شر الترك وهجومهم واستلقى على ظهره وقال‏:‏ الآن استرحت‏.‏

ومدينة باب الأبواب من تلك المدن‏.‏

والعجم يسمونه دربند‏.‏

وبها صور مطلسمة لدفع الترك وكانت عساكر الترك لا تزال تأتي من تلك الجهة وتنهب بلاد إيران فلما بنى أنوشروان ذلك السد وطلسمه لم يذكر أن دخل الترك من تلك الجهة بلاد إيران منها صورة أسدين على حائط باب الجهاد فوق أسطوانتين من حجر وأسفل منهما حجران على كل حجر تمثال لبوءتين وبقرب الباب صورة رجل بين رجليه صورة ثعلب في فمه عنقود عنب لعله لدفع الثعلب عن أعنابهم‏!‏ وإلى جانب المدينة صهريج له درجات ينزل بها إلى الصهريج إذا قل ماؤه وعلى جنبي الدرجة صورتا أسدين من حجارة يقولون‏:‏ إنهما طلسم اتخذ للسور ما دام باقياً لا يصيب المدينة من الترك آفة‏.‏

وخارج المدينة تل عليه مسجد في محرابه سيف يقولون‏:‏ إنه سيف مسلمة ابن عبد الملك بن مروان‏.‏

يزوره الناس لا يزار إلا في ثياب بيض فمن قصده في ثياب مصبوغة جاءت الأمطار والرياح وكاد يهلك ما حول التل‏.‏

وعليه حفاظ يمنعون من يذهب إليه بالثياب المصبوغة‏.‏

وبقرب هذا التل عين يخرج الناس إليها كل ليلة جمعة فيرون في بعض ناشئة الليل في تلك العين ضياء ونوراً حتى يتبين لهم الحصى والحجر ويسمون تلك العين الثواب‏.‏